طَعمُ القَهوةِ ..قصة قصيرة… فيفيان أيوب – مصر

منبر العراق الحر :
اعتادت الجلوس كل صباح، بمقهى صغير، بجوار مقر عملها. تأخذ قهوتها، وتراجع بعض الأوراق، قبل بدء يومها. عادة ما يكون المكان مزدحمًا جدًا، بالعابرين والجالسين. هي تحاول التركيز في عملها، لا يلفت نظرها أحد. روتين يومي، لا يكاد يتغير.
اليوم تشعر بشيء مختلف، فذاك الجالس على الطاولة المواجهة لها، لا يرفع عينيه عنها، مهما حاولت تفادي نظراته، تحاصرها، ترقبها بإصرار، مما أثار غضبها وضيقها.
وقفت وبدأت تجمع أشياءها، لتغادر المكان، وفجأة توقفت. أنه يتجه ناحيتها، ويجلس بهدوء أمامها. يا لوقاحته كيف تجرأ؟ كيف يتجاوز كل الحدود، ويقتحم خصوصيتها بهذه البساطة؟ فتحت فمها لتكيل له السباب، وتعطيه درسًا في الأخلاق، لكن تعثرت الكلمات على شفتيها. ألجمها ما فعل، أنه يغمس أصبعه بفنجان قهوتها ليتذوقه، ويرفع الفنجان، يرتشف منه، ويقدمه لها لتشرب، وهي ذاهلة لا تتكلم أو تتحرك.
في زاوية بعيدة من ذاكرتها، يقبع ذلك الصبي، ذو الوجه البريء، المتفجر حيوية وشقاوة ومرح، الذي تبدو عليه، كل سمات الرجولة، رغم أن سنه لم يتجاوز الثانية عشرة. كان ظلها وحامي ظهرها، في المدرسة والنادي، وحتى في البيت. فوالداه ووالداها أصدقاء عمر، يقضون الأعياد والإجازات ومعظم أوقاتهم معًا.
يطل عليها من نافذة الذكريات، من وقت لآخر، مشاغبًا كعادته، في زهرة اعتاد أن يقطفها، ويقدمها لها كل صباح، أو قطعة حلوى، كان يقتسمها معها مبتسمًا سعيدًا، ودائمًا مع كل فنجان قهوة؛ حيث كان يغمس أصبعه الصغير ليتذوقها، ويختلس رشفات، من فنجان والده أو والدته، حين يكونوا في زيارتهم، ويغريها بمشاركته.
مر على فراقهم، بعد سفره مع والديه، خمس عشرة سنة. لم تمحوا من ذاكرتها، رفيق الطفولة وفجر الصبا، الذي تشتاق له، وتحن للحظات السعادة معه، ولا تعرف أين هو الآن؟، أو ماذا يفعل؟
جلست في مقعدها صامتة، وعيناها مركزتان على فنجان القهوة، الذي مازال في يده الممدودة لها. يا إلهي أيكون هو؟، أتتحقق الأحلام بهذه السهولة؟، أم أنها مجرد مصادفة، أن يكون هذا الغريب، له نفس الهواية.
أخرج قطعة حلوى، تعرفها جيدًا، اقتسمها وناولها نصفها، عند هذا الحد، لم تستطع السكوت. هتفت باسمه بانفعال وفرح يشوبه الشك، فاتسعت ابتسامته، وأضاءت طريقًا، عبر بهما السنين. في لحظة عاد الإثنان أطفالًا، ضحكهما يملأ المكان، الذي اتسع، وخلى إلا منهما، رغم الازدحام.

اترك رد